نشأة هيئة الأوراق المالية ومراحـل تطوّرها
عند الحديث عن نشأة هيئة الاوراق المالية كواحدة من المؤسسات العريقة في الأردن وذراع أساسي في إقتصاده وإنجاز يضاف إلى سائر الإنجازات الأخرى للدولة الأردنية، فلا بد من تسليط الضوء على المراحل التي مرّ وتدرّج بها السوق المالي قبل نشأة الهيئة كشخصية إعتبارية مستقلة، إذ تُمثّل كل مرحلة منها نقلة نوعية وحجر أساس داعم لنشأة وتطوّر سوق رأس المال الأردني، تواكب تطوّر الدولة الأردنية على مدار المائة عام التي مضت منذ تاريخ تأسيسها.
وتتمثل المرحلة الأولى من عمر السوق في الفترة الزمنية الممتدّة من ثلاثينيات القرن العشرين حتى عام (1976)، وهي مرحلة ما قبل إنشاء سوق عمان المالي، ومما يميّزها أنها شهدت إنشاء الشركات المساهمة العامة في الأردن والتداول بأسهمها، حيث تم تأسيس ثلاث شركات كبرى وهي: (البنك العربي، وشركة التبغ والسجائر، وشركة الكهرباء الأردنية)، وبدأ الأردنيون الإكتتاب بأسهمها والتعامل بها خلال هذه الحقبة الزمنية، ونتيجةّ لذلك فقد ظهرت في الأردن سوق غير منظمة لتداول الأوراق المالية ومن خلال مكاتب غير متخصصة، الأمر الذي أظهر الحاجة للتفكير جدياً بإنشاء سوق منظمة للأوراق المالية بما يكفل تعاملاً سليماً وسريعاً.
أمّا المرحلة الثانية من عمر السوق المالي، فقد بدأت بصدور قانون سوق عمان المالي رقم (31) لسنة 1976، وامتدّت منذ ذلك التاريخ حتى عام (1996)، وتأسّست على ضوء صدور هذا القانون سوق لبيع وشراء الأوراق المالية، أطلق عليها إسم سوق عمان المالي كمؤسسة عامة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي وتخضع للإشراف الحكومي، وقد ضمّت في عضويتها حكماً وإلزاماً كل من البنك المركزي والبنوك المرخصة ومؤسسات الإقراض المتخصصة وكل شركة مساهمة عامة أردنية يبلغ رأسمالها المدفوع (100000) مائة الف دينار أو أكثر والوسطاء المقبولون وفق أحكام القانون، وتمثّل الهدف من تأسيس السوق في تنمية المدخرات الوطنية عن طريق الاستثمار في الأوراق المالية وتوجيه تلك المدّخرات لخدمة الاقتصاد الوطني، وتنظيم ومراقبة إصدار الأوراق المالية والتعامل بها بما يكفل سلامة هذا التعامل وسهولته وسرعته.
باشرت سوق عمّان المالي أعمالها لأول مرة في 1/1/1978 من خلال مكاتبها في مبنى غرفة صناعة عمان وتم تجهيز قاعة خاصة للتداول آنذاك، ونظراً لتزايد أعداد المواطنين المقبلين على التداول وعدم القدرة على توسعتها لاستيعاب ذلك الإقبال ،فقد انتقلت السوق بتاريخ 1/10/1980 إلى جزء من مبنى غرفة تجارة عمان الجديد ومارست عملها منه مباشرةً إلى أن انتقلت في العام (1984) إلى مقرها الجديد في المجمع التجاري لبنك الإسكان، تلبيةً للإقبال المستمر والمتزايد عليها.
انحصر التعامل في سوق عمان المالي بالأوراق المالية الأردنية، وهي حسب التعريف الوارد لها في القانون تتمثل في الأسهم والسندات والأذونات التي تصدرها في المملكة الحكومة أو البلديات أو الشركات الأردنية العامة أو الخاصة وأية أوراق مالية قابلة للتداول، وكانت السوق تتكوّن من سوق نظامي يتم تداول الأسهم المدرجة ن خلاله، وسوق غير نظامي (موازي) يتم فيه تداول أسهم الشركات حديثة التأسيس والتي لم يتم إدراجها في قاعة السوق النظامي.
عُهد أمر إدارة سوق عمان المالي في هذه المرحلة إلى لجنة إدارة سوق عمان المالي، وقد توالى على إدارتها السادة التالية أسماؤهم:
عطوفة الدكتور هاشم الصباغ (1977-1988)
عطـــــــوفـــة إبراهيــــــم البلبيســــــي (1988-1991)
معالي الدكتور أمية طوقان (1991-1996)
عطـــوفـــــة وهيــــب الشـــــاعر (1996-1997)
وشهد العام (1997) مرحلة الفصل بين مؤسسات سوق رأس المال الثلاث، حيث صدر قانون الأوراق المالية رقم (23) لسنة (1997) ليُحدث نقلة نوعية في تاريخ السوق، وليهدف إلى إعادة تنظيمها وتطويرها بما يتّفق مع المعايير الدولية والتوجّه نحو تعزيز الشفافية وتحقيق سلامة التعامل بالأوراق المالية، وبموجب هذا القانون تم إنشاء ثلاث مؤسسات رئيسية تتمثل في: بورصة عمان وهي سوق الأوراق المالية، ومركز إيداع الأوراق المالية، وهيئة الأوراق المالية كجهة رقابية وتشريعية ذات استقلال مالي وإداري تهدف إلى تنظيم ومراقبة إصدار الأوراق المالية والتعامل بها وتنظيم ومراقبة أعمال ونشاطات الجهات الخاضعة لرقابة الهيئة وإشرافها، وتنظيم ومراقبة الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالأوراق المالية والجهات المصدرة لها وتعامل الأشخاص المطّلعين وكبار المساهمين والمستثمرين فيها، بالإضافة إلى تنظيم عمليات البيع المكشوف للأوراق المالية وتنظيم العروض العامة لشراء أسهم الشركات المساهمة العامة، وبموجب القانون فقد أُخضع لرقابة الهيئة مصدرو الأوراق المالية وشركات الخدمات المالية المرُخص لها ومعتمدو سوق رأس المال وبورصة عمان ومركز ايداع الأوراق المالية وصناديق الاستثمار المشترك وشركات الاستثمار في الأوراق المالية.
استمرّت هيئة الأوراق المالية عند تأسيسها بممارسة أعمالها من مقرّها في مجمع بنك الإسكان إلى أن تفضّل حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بوضع حجر الأساس للمبنى الجديد لمؤسسات سوق رأس المال في شهر تشرين الثاني من عام (1999)، وهو المقر الذي ما تزال تمارس مهامها وتحقق أهدافها من خلاله حتى تاريخه.